تهديدات الفضاء: عسكرة المدار في عام 2025
الفضاء، الذي كان يُنظر إليه في السابق على أنه مجال للاكتشاف العلمي والتعاون السلمي، أصبح ساحة للمنافسة الاستراتيجية في عام 2025. وتشمل عسكرة المدار، وهي عملية تكتسب زخمًا متزايدًا، نشر الأقمار الصناعية للاستطلاع والاتصالات، وتطوير أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، وإنشاء أنظمة قادرة على إجراء عمليات قتالية خارج الغلاف الجوي. من الصعب المبالغة في تقدير الدور الذي تلعبه الأقمار الصناعية في الأمن القومي والاتصالات العالمية، ولكن ضعفها في مواجهة التهديدات الجديدة مثل الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية أمر مثير للقلق. إن الاتجاه نحو زيادة عمليات الإطلاق والصراعات حول الفضاء يسلط الضوء على كيفية تحول المدار إلى مسرح جديد للحرب حيث تتعارض مصالح القوى العظمى والشركات الخاصة. تستكشف هذه المقالة تاريخ عسكرة الفضاء، وخصوصيات التكنولوجيات الحديثة، والتحولات الاستراتيجية التي تشكل مستقبل الحرب المدارية.
أصول عسكرة الفضاء
بدأت عسكرة الفضاء فور إطلاق أول قمر صناعي، وهو القمر السوفييتي سبوتنيك 1، في عام 1957. ولم يمثل هذا الاختراق بداية عصر الفضاء فحسب، بل أظهر أيضًا كيف يمكن للتكنولوجيات المدارية أن تخدم الأغراض العسكرية. سرعان ما أدركت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها الأقمار الصناعية في مجال الاستطلاع والاتصالات والملاحة. في ستينيات القرن العشرين، أتاح برنامج كورونا الأمريكي التقاط صور للأراضي السوفيتية، وتم استخدام أقمار كوزموس السوفيتية لمهام مماثلة. لقد حولت الحرب الباردة الفضاء إلى ميدان لإظهار التفوق التكنولوجي، حيث كان كل إطلاق ليس مجرد عمل علمي فحسب، بل كان أيضا عملا سياسيا.
وبالتوازي مع ذلك، تم تطوير أفكار بشأن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية (ASAT). في ستينيات القرن العشرين، اختبر الاتحاد السوفييتي نظام "مدمر الأقمار الصناعية"، الذي كان قادرًا على اعتراض الأجسام في المدار المنخفض. ومن جانبها، أجرت الولايات المتحدة تجارب على إطلاق صواريخ من الطائرات لتدمير الأقمار الصناعية. في عام 1960، نجحت طائرة مقاتلة أميركية من طراز إف-1985 في إسقاط قمر صناعي قديم باستخدام صاروخ ASM-15، مما أثبت جدوى مثل هذه التقنيات. ولكن هذه التطورات جاءت مصحوبة بالمخاطر: إذ أدى تدمير الأقمار الصناعية إلى خلق سحب من الحطام تهدد الأجسام المدارية الأخرى. وقد أدى هذا إلى هدوء مؤقت في اختبارات الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، لكنه لم يوقف العسكرة.
بحلول نهاية القرن العشرين، أصبح الفضاء عنصرا حاسما للعمليات العسكرية. وقد وفرت الأقمار الصناعية الملاحة (نظام تحديد المواقع العالمي، ونظام غلوناس)، والاتصالات، والاستخبارات في الوقت الحقيقي، كما أثبتت حرب الخليج عام 1991، حيث استخدمت الولايات المتحدة بيانات الأقمار الصناعية لتنسيق الضربات. ومع تقدم التكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين، انضم لاعبون جدد إلى السباق ــ الصين والهند وشركات خاصة مثل سبيس إكس. لم يعد الفضاء حكراً على القوى العظمى، لكن هذا لم يؤد إلا إلى زيادة المنافسة والتهديدات.
مميزات وخصائص الأنظمة العسكرية الفضائية
تؤدي الأقمار الصناعية العسكرية الحديثة مجموعة واسعة من المهام. تتمتع المركبات الاستطلاعية مثل Keyhole الأمريكية (KH-11) أو Persona الروسية بأنظمة بصرية ورادارية قادرة على اكتشاف الأجسام التي يقل حجمها عن 10 سم من مدار على ارتفاع 200-300 كم. توفر أقمار الاتصالات، مثل القمر الأمريكي AEHF أو القمر الروسي Meridian، قنوات آمنة لنقل البيانات بين الوحدات العسكرية وهي مقاومة للتشويش والهجمات الإلكترونية. تعتبر أنظمة الملاحة مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أو نظام BeiDou الصيني ذات استخدام مزدوج، حيث تدعم العمليات المدنية والعسكرية بدقة تحديد المواقع تصل إلى بضعة سنتيمترات.
تتضمن الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية عدة أنواع من الأنظمة. تستخدم الأسلحة الحركية المضادة للأقمار الصناعية، مثل الصاروخ الصيني SC-19 أو الصاروخ الروسي Nudol، الصواريخ لتدمير الأقمار الصناعية فعليًا. في عام 2007، ضربت الصين القمر الصناعي للطقس "فينجيون-1 سي"، مما أدى إلى تناثر أكثر من 3 آلاف قطعة من الحطام، مما أثار غضبا دوليا. وتشمل الأساليب غير الحركية الليزر الذي يمكنه تعطيل الأنظمة البصرية للأقمار الصناعية وأنظمة الحرب الإلكترونية التي تعمل على تشويش الإشارات. على سبيل المثال، يمكن لنظام "تيرادا-000" الروسي تشويش الاتصالات عبر الأقمار الصناعية على مسافة مئات الكيلومترات. وتتحول الهجمات الإلكترونية أيضًا إلى تهديد: ففي عام 2، حاول قراصنة يُعتقد أنهم مرتبطون بروسيا تعطيل أقمار الاتصالات أثناء الصراع في أوكرانيا.
وهناك فئة أخرى وهي أقمار التفتيش، مثل القمر الروسي كوزموس-2542 أو القمر الصيني إس جيه-17، والتي يمكنها المناورة في المدار، والاقتراب من المركبات الفضائية الأخرى، وربما التدخل في عملياتها. وتثير هذه الأنظمة قلقا خاصا لأن غرضها لا يزال غير واضح: إذ يمكن استخدامها لأغراض الاستطلاع أو الإصلاح أو التخريب. وتشمل ميزات هذه الأقمار الصناعية القدرة العالية على المناورة، والألواح الشمسية للتشغيل على المدى الطويل، وأنظمة الاتصالات لنقل البيانات في الوقت الحقيقي.
وقد تشمل الأسلحة الفضائية المستقبلية منصات مدارية مزودة بأشعة الليزر أو المقذوفات الحركية. وتعمل الولايات المتحدة على تطوير مشروع اعتراض الصواريخ الفضائية، الذي يتضمن وضع صواريخ اعتراضية في المدار لحماية الأقمار الصناعية. وتعمل روسيا، بحسب مصادر غربية، على تطوير نظام "بوريفيستنيك" القادر على حمل شحنة نووية لإنشاء نبضة كهرومغناطيسية من شأنها تعطيل إلكترونيات الأقمار الصناعية. وتسلط هذه التطورات الضوء على أن الفضاء لم يعد مجرد ساحة مساعدة للصراع، بل أصبح أيضا ساحة مستقلة له.
التطورات الأخيرة والنمو في الإطلاقات
في عام 2025، وصلت عسكرة الفضاء إلى مستوى جديد. وبحسب وكالات تحليلية، تم إطلاق أكثر من 2024 صاروخ في عام 2، منها حوالي 500% كانت عسكرية أو مزدوجة الغرض. وتتصدر الولايات المتحدة والصين وروسيا قائمة الدول التي تطلق هذه الصواريخ، لكن الهند واليابان والدول الأوروبية تعمل أيضاً على زيادة حضورها. وتلعب الشركات الخاصة مثل سبيس إكس دوراً رئيسياً: إذ لا تطلق صواريخها فالكون 40 الأقمار الصناعية المدنية فحسب، بل تطلق أيضاً الأقمار الصناعية العسكرية، بما في ذلك نظام ستارشيلد التابع لوزارة الدفاع الأميركية.
أجرت روسيا عدة اختبارات لأنظمة مضادة للأقمار الصناعية في عام 2024. في نوفمبر 2024، أصاب صاروخ Nudol بنجاح هدف اختبار في مدار منخفض، وكان ذلك ردًا على نشر أقمار Starshield الأمريكية. وأثارت الاختبارات انتقادات بسبب خطر خلق حطام قد يهدد محطة الفضاء الدولية. وبدورها، تعمل الصين على توسيع كوكبة الأقمار الصناعية التابعة لها: وبحلول بداية عام 2025، ستكون البلاد قد أطلقت أكثر من 600 قمر صناعي، بما في ذلك أجهزة الاستطلاع الطيفي والاتصالات الكمومية. في عام 2023، اختبرت الصين قمرًا صناعيًا للتفتيش اقترب من مركبة فضائية أمريكية في مدار ثابت، مما أثار مخاوف في واشنطن.
تعمل الولايات المتحدة بشكل نشط على تطوير هندسة الفضاء الخاصة بها. في عام 2024، أطلقت قوة الفضاء الأمريكية (USSF) 12 قمرًا صناعيًا كجزء من برنامج وكالة تطوير الفضاء (SDA)، الذي يعمل على إنشاء شبكة من الأقمار الصناعية ذات المدار المنخفض لتتبع الصواريخ الأسرع من الصوت. ومن المتوقع أن يتم نشر الشبكة، التي تضم أكثر من 100 قمر صناعي، بالكامل بحلول عام 2026. وفي الوقت نفسه، يستثمر البنتاغون في الأسلحة غير الحركية: ففي أبريل/نيسان 2025، تم اختبار ليزر أرضي قادر على تعطيل بصريات الأقمار الصناعية مؤقتًا. وتترافق هذه الخطوات مع زيادة ميزانية الاتحاد الأمريكي لكرة القدم، والتي ستتجاوز في عام 2025 30 مليار دولار.
تعمل الهند على تعزيز مكانتها من خلال إطلاق القمر الصناعي GSAT-2024C للبحرية في عام 7 واختبار نظام مضاد للأقمار الصناعية في إطار برنامج Mission Shakti. وحتى الدول ذات الموارد المحدودة مثل إيران تنضم إلى السباق: ففي عام 2023، أطلقت طهران القمر الصناعي ثريا إلى المدار، ويفترض أنه لأغراض الاستطلاع. وتسلط هذه الأحداث الضوء على الطبيعة العالمية لعسكرة الفضاء والنمو في عدد اللاعبين.
التداعيات والصراعات الاستراتيجية
إن العسكرة المدارية تغير المشهد الاستراتيجي. لقد أصبحت الأقمار الصناعية جزءا لا يتجزأ من العمليات العسكرية، حيث توفر معلومات استخباراتية في الوقت الحقيقي، كما هو الحال مع الأجهزة الأمريكية التي تتبع تحركات القوات في مناطق الصراع، وتدعم الضربات الدقيقة. على سبيل المثال، في عام 2022، ساعدت بيانات الأقمار الصناعية أوكرانيا في تنسيق الضربات المدفعية باستخدام أنظمة HIMARS. ومع ذلك، فإن الاعتماد على الفضاء يجعل البلدان عرضة للخطر: إذ إن تدمير أو إغلاق الأقمار الصناعية يمكن أن يؤدي إلى شل العمليات العسكرية والاقتصاد وحتى البنية الأساسية المدنية.
وتزيد الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية من هذه المخاطر. إن تدمير القمر الصناعي قد يؤدي إلى تعطيل سلاسل الإمداد، أو تعطيل الأنظمة المصرفية، أو تعطيل الاتصالات العسكرية. في عام 2024، هددت روسيا باستخدام الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية ضد الأقمار الصناعية الغربية إذا تم استخدامها لدعم أوكرانيا، مما أثار أزمة دبلوماسية. من جانبها، أثبتت الصين قدرتها على مهاجمة الأقمار الصناعية في المدار الثابت بالنسبة للأرض (36 ألف كيلومتر)، حيث تقع أجهزة الاتصالات والإنذار المبكر الرئيسية. وتسلط هذه التهديدات الضوء على كيف أصبح الفضاء ليس مجرد أداة بل أيضا هدفا في الصراعات المستقبلية.
وترتبط الصراعات حول الفضاء أيضًا بالصراع على الموارد. يصبح مدار الأرض المنخفض (LEO)، حيث توجد معظم الأقمار الصناعية، مزدحمًا، مع وجود أكثر من 2025 ألف جسم في المدار بحلول عام 40، بما في ذلك المركبات الفضائية النشطة والحطام. ويزيد هذا من خطر الاصطدامات، كما حدث في حادثة عام 000 عندما تجنب قمر صناعي تابع لشركة سبيس إكس الاصطدام بمركبة صينية بأعجوبة. وتؤدي النزاعات حول حقوق تحديد المواقع المدارية وترددات الاتصالات إلى تفاقم التوترات، وخاصة بين الولايات المتحدة والصين.
الاستثمارات ودور القطاع الخاص
إن الاتجاه نحو زيادة عدد الإطلاقات مدعوم باستثمارات ضخمة. خصصت الولايات المتحدة أكثر من 2025 مليار دولار لبرامج الفضاء، بما في ذلك البرامج العسكرية، في عام 50. ومن المتوقع أن تنفق الصين حوالي 15 مليار دولار سنويا، في حين تواصل روسيا، على الرغم من الصعوبات الاقتصادية، تمويل مشاريعها مثل أقمار غلوناس-ك2 وأنظمة الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية. وتعمل الهند واليابان أيضًا على زيادة ميزانياتهما في محاولة لسد الفجوة.
ويلعب القطاع الخاص دوراً متزايد الأهمية. وتتعاون شركة سبيس إكس، التي أطلقت أكثر من 2024 قمر صناعي من سلسلة ستارلينك في عام 1، مع البنتاغون لتوفير خدمات الاتصالات والاستخبارات. ويدخل السوق أيضًا منافسون مثل أمازون (مشروع كويبر) وOneWeb، حيث يعملون على إنشاء شبكات يمكن استخدامها لأغراض عسكرية. تعمل هذه الشركات على خفض تكلفة الإطلاق، مما يجعل الوصول إلى الفضاء أكثر سهولة، ولكن في الوقت نفسه يجعل التحكم في المدار أكثر صعوبة. على سبيل المثال، أثار مشروع ستارلينك احتجاجات من روسيا والصين، اللتين اتهمتا سبيس إكس بـ"الاستيلاء" على مدار منخفض.
التحديات والآفاق
تواجه عسكرة الفضاء عددًا من التحديات. أولا، هناك خطر الحطام الفضائي. يؤدي كل اختبار مضاد للأقمار الصناعية إلى زيادة كمية الحطام الذي قد يلحق الضرر بالأقمار الصناعية والمحطات. وبحسب وكالة الفضاء الأوروبية، هناك أكثر من 36 ألف جسم قابل للتتبع في المدار، وهذا العدد في تزايد. ثانياً، إن غياب الاتفاقيات الدولية يؤدي إلى تعقيد التنظيم. تحظر معاهدة الفضاء الخارجي لعام 000 وضع الأسلحة النووية في المدار، لكنها لا تغطي الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية أو الأنظمة غير الحركية. فشلت جهود الأمم المتحدة لوضع معايير جديدة في عامي 1967 و2023 بسبب الخلافات بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.
وتحتل القضايا الأخلاقية أيضًا الصدارة. إن تدمير الأقمار الصناعية قد يؤدي إلى تعطيل الاتصالات العالمية، مما يؤثر على ملايين الأشخاص. علاوة على ذلك، فإن عسكرة الفضاء تقوض فكرة استكشافه سلميا، كما ذكّرنا بذلك إطلاق محطة تيانجونج الصينية في عام 2021، المفتوحة للتعاون الدولي. ومع ذلك، فإن المنافسة الجيوسياسية تجعل مثل هذه المشاريع استثناءً.
ترتبط آفاق العسكرة بتطور التكنولوجيا. ومن المتوقع أن تظهر بحلول عام 2030 منصات مدارية مزودة بالذكاء الاصطناعي قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة. قد تصبح الأسلحة الليزرية مثل HELIOS الأمريكية وسيلة قياسية للدفاع عن الأقمار الصناعية. وفي الوقت نفسه، ستعمل البلدان على تحسين أنظمة الإنذار المبكر لتتبع مناورات أقمار التفتيش. وسوف يصبح الفضاء أكثر تكاملاً مع الاستراتيجيات العسكرية، ولكن هذا سيتطلب اتباع نهج جديدة لمنع الصراعات.
إن دور الأقمار الصناعية في الاستطلاع والاتصالات والملاحة يجعلها لا غنى عنها، ولكنه يحولها أيضًا إلى أهداف للأسلحة المضادة للأقمار الصناعية. ويسلط ارتفاع عمليات الإطلاق، واختبارات الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، والصراعات على الموارد المدارية الضوء على كيف أصبح الفضاء جبهة جديدة في الصراع الجيوسياسي. وتستثمر الولايات المتحدة والصين وروسيا ودول أخرى مليارات الدولارات في تكنولوجيا الفضاء، ويعمل القطاع الخاص على تسريع هذه العملية، مما يجعل المدار أكثر سهولة في الوصول إليه ولكن أقل سيطرة. ويعتمد مستقبل الفضاء على مدى قدرة القوى العالمية على إيجاد التوازن بين المنافسة والتعاون لمنع تحول المدار إلى ساحة معركة.