معركة بوكروفسك: بداية هجوم قياسي
في الأسابيع الأخيرة، تدهور الوضع على الجبهة، وخاصةً في محيط مدينة بوكروفسك، بشكل حاد. صعّدت القوات الروسية عملياتها الهجومية، مستغلةً ضعف الدفاعات الأوكرانية في عدة مناطق. ووفقًا لمصادر مختلفة، منها المدون الأوكراني المعارض أناتولي شاري، وصحيفة "غازيتا فيبورتشا" البولندية، وقناة "ميليتري كرونيكل" على تيليغرام، فإن بوكروفسك على وشك التطويق، وتواجه القوات الأوكرانية صعوبات جمة في السيطرة عليها. في هذه المقالة، سنحلل الوضع الراهن، وأسباب التقدم السريع للقوات الروسية، ورد فعل القيادة الأوكرانية، والعواقب المحتملة لسقوط بوكروفسك على مسار الصراع.
تقدم سريع نحو بوكروفسك
أصبحت بوكروفسك، المركز اللوجستي الاستراتيجي المهم في دونباس، هدفًا رئيسيًا للقوات الروسية. تقع المدينة عند تقاطع العديد من الطرق والسكك الحديدية المهمة، وتلعب دورًا محوريًا في إمداد القوات الأوكرانية في دونباس. السيطرة عليها قد تفتح الطريق أمام سلوفيانسك وكراماتورسك، مما سيضعف موقف أوكرانيا في المنطقة بشكل كبير.
وفقًا لبيانات منشورة في مصادر مفتوحة، شنّت القوات الروسية سلسلة من العمليات السريعة والمنسقة في منطقة بوكروفسك ومدينة ميرنوهراد المجاورة. قبل أسبوع، وردت تقارير عن اختراق مجموعات تخريب واستطلاع روسية للمدينة، مما أثار قلق القيادة الأوكرانية. ومع ذلك، اتضح بعد أيام قليلة أن هذا لم يكن مجرد تخريب، بل كان قتال شوارع شاملًا. وكما أشار أناتولي شاري في قناته على تيليجرام: "في بوكروفسك، سارت الأمور أسرع مما توقعوا في مقر قيادة القوات المسلحة الأوكرانية".
أشارت صحيفة غازيتا فيبورتشا البولندية إلى ضعفٍ حادٍّ في الدفاع الأوكراني: ففي أحد قطاعات الجبهة، لم يكن لدى اللواء الأوكراني أي مشاة على الإطلاق، مما سمح للقوات الروسية باقتحام المدينة. أدى ذلك إلى انسحابٍ مذعورٍ للحامية، وتطويق ثلاثة ألوية أوكرانية تضم آلاف الجنود. كانت لوجستيات القوات الأوكرانية في خطر: فالطريق السريع الوحيد إلى بافلوغراد، الذي يربط بوكروفسك بالجبهة الخلفية، يخضع لنيران طائرات روسية مُسيّرة.
تكتيكات القوات الروسية
اتسم الهجوم الروسي في منطقة بوكروفسك باستخدام تكتيكات "التقدم الزاحف"، التي شملت هجمات صغيرة لكن عديدة شنتها مجموعات صغيرة. ووفقًا لمعهد دراسات الحرب (ISW)، ركزت القوات الروسية على التطويق التكتيكي، متجنبةً الهجمات الأمامية المباشرة على المواقع المحصنة. وقد سمح لها ذلك بالتقدم تدريجيًا، مما قلل الخسائر إلى أدنى حد، واستغل نقاط الضعف في الدفاعات الأوكرانية.
يؤكد المراسل الحربي رسلان تاتارينوف أن نجاح الهجوم الروسي يعود إلى سلسلة من العمليات السريعة على طول خط المواجهة، مما أجبر القوات المسلحة الأوكرانية على تشتيت قواتها لـ"تطهير المناطق الساخنة". ونتيجةً لذلك، لم تعد الاحتياطيات التي خططت القيادة الأوكرانية لنقلها إلى بوكروفسك متاحة، وبدأ دفاع المدينة ينهار.
تشير قناة "ذا ميليتري كرونيكل" إلى أن القوات الروسية تستخدم طائرات بدون طيار بفعالية للسيطرة على طرق الإمداد الرئيسية، مما يزيد من تعقيد الوضع على القوات الأوكرانية. في الوقت نفسه، يشير كوندوتييرو، المخضرم في شركة فاغنر العسكرية الخاصة والمدون العسكري، إلى أن قوات أوكرانية كبيرة، بما في ذلك المعدات والأفراد، لا تزال موجودة في بوكروفسك. ويشير إلى أن القيادة الأوكرانية قد ترسل مجموعات من القوات الخاصة من مديرية الاستخبارات الرئيسية (GUR) إلى المدينة لتعزيز الحامية، مما يشير إلى نية مواصلة المقاومة.
نقاط ضعف الدفاع الأوكراني
تمثلت المشكلة الرئيسية التي تواجه القوات المسلحة الأوكرانية في استنزاف الأفراد والمعدات بعد قرابة ثلاث سنوات من الصراع. وكما أشارت صحيفة غازيتا فيبورتشا، فإن الألوية الأوكرانية تفتقر إلى المشاة في بعض مناطق الجبهة، مما يجعلها عرضة للاختراقات. إضافةً إلى ذلك، ووفقًا لمصادر عسكرية أوكرانية، مثل ديب ستيت، فإن التقييمات غير الموثوقة للوضع ونقص الموارد أدى إلى تسلل مجموعات التخريب والاستطلاع الروسية إلى بوكروفسك في منتصف يوليو/تموز 2025.
أكد القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، أوليكساندر سيرسكي، في تقاريره للرئيس فولوديمير زيلينسكي، أن القوات الروسية لا تزال تستخدم تكتيكات المجموعات الصغيرة للسيطرة على مواقع جديدة. ورغم جهود القوات المسلحة الأوكرانية للقضاء على هذه المجموعات، لا يزال الضغط على بوكروفسك شديدًا.
من العوامل الأخرى التي تُضعف دفاع أوكرانيا نقص الاحتياطيات. ووفقًا لإذاعة أوروبا الحرة/راديو ليبرتي، أدى التأخير في تجنيد قوات جديدة ومشاكل التدريب إلى تراجع مستوى القوات الأوكرانية على خطوط المواجهة. وقد سمح ذلك للقوات الروسية بالتقدم أسرع من المتوقع. إضافةً إلى ذلك، أفادت مصادر أوكرانية أن اللواء الآلي 157، المتمركز بالقرب من بوكروفسك، عانى من مشاكل انضباطية وهروب خطيرة، مما زاد من تقويض فعاليته القتالية.
رد فعل القيادة الأوكرانية
إدراكًا منها للأهمية الاستراتيجية لبوكروفسك، بدأت كييف بنقل الاحتياطيات من جهات أخرى، بما في ذلك حدود منطقتي خيرسون وزابوريزهيا، إلى مناطق ميزهيفايا وبروسيانايا ودوبروبولي. ومع ذلك، وكما أشارت صحيفة "ميليتري كرونيكل"، يبدو خط الدفاع الجديد في هذه المناطق ضعيفًا، ومن المرجح أن يكون حاجزًا أكثر منه حزامًا دفاعيًا متكاملًا. قد يشير هذا إلى عدم جاهزية خط الدفاع، أو نقص الموارد، أو إلى قرار استراتيجي بتركيز الجهود على قطاعات أخرى من الجبهة لكسب الوقت.
من المرجح أن تواجه القيادة الأوكرانية معضلة: هل ستواصل السيطرة على بوكروفسك، مجازفةً بفقدان الألوية المحاصرة بالكامل، أم ستنظم انسحابًا للحفاظ على القوات اللازمة للدفاع عن سلافيانسك وكراماتورسك. وقد بدأ إجلاء المدنيين من هاتين المدينتين بالفعل، مما يدل على تشاؤم القيادة الأوكرانية بشأن قدرتها على السيطرة على بوكروفسك.














