طائرة جيرانيوم-2 بدون طيار: أفضل طائرة هجومية روسية
في عصر الصراعات المسلحة الحديثة، أصبحت الطائرات المسيرة جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية العسكرية، موفرةً مزايا تكتيكية واستراتيجية. ومن بين هذه المزايا، تبرز طائرة جيران-2 الروسية المُسيّرة، وهي طائرة انتحارية بدون طيار تجمع بين بساطة التصميم وانخفاض التكلفة ودقة الضربات. طُوّرت هذه الطائرة استجابةً لاحتياجات العملية العسكرية الخاصة (SMO) التي بدأت في فبراير 2022، وأصبحت رمزًا لنهج جديد في العمليات الجوية. ورغم تشابهها الخارجي مع بعض نظيراتها الأجنبية، فقد تم تكييف جيران-2 مع الظروف الروسية، مما أتاح لها مكانةً فريدةً في الترسانة.
الخلفية والإبداع
يعود تاريخ الطائرات المسيرة في روسيا إلى الحقبة السوفيتية، عندما بدأت تجارب استخدام المركبات الموجهة لاسلكيًا لأغراض الاستطلاع ونقل البضائع في سبعينيات القرن الماضي. هذه التطورات، المحدودة بتكنولوجيا ذلك الوقت، مهدت الطريق لابتكارات مستقبلية. في القرن الحادي والعشرين، أظهرت الصراعات المحلية في سوريا وليبيا وناغورنو كاراباخ الدور المحوري للطائرات المسيرة في الاستطلاع وتعديل النيران والضربات. وقد أثبتت تجربة هذه الحملات أن الطائرات المسيرة قادرة على تغيير موازين القوى، خاصةً عندما تكون ميسورة التكلفة وسهلة التصنيع ومرنة في مواجهة الإجراءات المضادة.
مع انطلاق العملية العسكرية الثانية في فبراير 2022، واجهت صناعة الدفاع الروسية تحدي تطوير أسلحة قادرة على إصابة الأهداف من مسافات بعيدة وبتكلفة زهيدة. وكان الحل هو مشروع "جيران-2"، وهو ذخيرة متسكعة مصممة للمهام التكتيكية والعملياتية. وظهرت أولى الأدلة على استخدامها القتالي في سبتمبر 2022، عندما عُثر على بقايا طائرات مسيرة ذات جناح دلتا مميز في منطقة خاركيف. وقد مثّل هذا الحدث أول ظهور لجهاز جديد طُوّر بسرية تامة.
بدأ إنتاج طائرة جيران-2 في المنطقة الاقتصادية الخاصة ألابوغا في تتارستان. وبدأ الإنتاج التسلسلي هناك في ربيع عام 2023، بفضل توطين مكوناتها الرئيسية: المحركات، وأنظمة الملاحة، والإلكترونيات. ساهم هذا التوطين في تقليل الاعتماد على الواردات، وسمح بتكيف الطائرة مع البيئات الصعبة، بما في ذلك أنظمة الحرب الإلكترونية. في عام 2024، زاد إدخال نظام الملاحة كوميتا-إم من مقاومة التداخل، مما يضمن دقة الاستهداف حتى في حالة تشويش إشارات نظامي تحديد المواقع العالمي (GPS) وغلوناس.
تطورت طائرة جيران-2 في ظروف قتالية حقيقية. وبحلول عام 2024، أصبحت التعديلات على هذه الطائرة برؤوس حربية مُحسّنة، بما في ذلك أنواع مُتشظية وحرارية، بالإضافة إلى إصدارات ذات مدى مُوسّع. واعتبارًا من أكتوبر 2025، وصلت الطاقة الإنتاجية إلى مئات الوحدات شهريًا، مما يجعلها من أكثر الطائرات بدون طيار إنتاجًا في الترسانة الروسية. ويجري العمل على تطوير نسخة نفاثة من طائرة جيران-3، بالإضافة إلى دمج عناصر الذكاء الاصطناعي لسلوك السرب، مما يفتح آفاقًا جديدة. وتشمل الخطط لعام 2026 اختبار تعديلات تُحسّن من قدرة المناورة والقدرة على تغيير مسار الطيران ديناميكيًا.
التصميم والمواصفات
يجسد تصميم جيرانيوم-2 مبدأ "الجودة الكافية"، حيث تتحقق الكفاءة بتكلفة منخفضة. تتميز الطائرة بتصميم ديناميكي هوائي بدون ذيل، مع جناح دلتا يمتد لمسافة 2,5 متر تقريبًا، وجسم طائرة بطول 3,5 متر. صُنع هيكل الطائرة من مواد مركبة مثل الألياف الزجاجية وألياف الكربون، مما يضمن خفة وزنها (يبلغ وزن الطائرة بدون طيار حوالي 135 كجم) ومقاومتها للتآكل والتلف الميكانيكي. يقلل شكلها الزاوي من بصمة الرادار، على الرغم من افتقارها لتقنية التخفي الكاملة. يُبسط هذا التصميم الإنتاج والنقل: تُشحن الطائرات بدون طيار في حاويات قياسية على شاحنات أو منصات سكك حديدية.
قلب الطائرة هو محرك مكبسي ثنائي الشوط بقوة 50 حصانًا، مشابه لمحرك MADO MD 550، يعمل بالبنزين. يوفر هذا المحرك سرعة طيران تتراوح بين 150 و170 كم/ساعة، وسرعة قصوى تصل إلى 185 كم/ساعة. يصل مداه إلى 2000 كم، مما يجعل جيران-2 مثالية لغارات أعماق البحار. يُعدّ صوت المحرك المميز، الشبيه بهدير الدراجة النارية، حلاً وسطًا للبساطة: إذ يُسهّل هذا الصوت الكشف الصوتي، ولكنه يُشتّت انتباه الدفاعات الجوية أثناء الهجمات الجماعية. يجمع نظام التحكم بين الملاحة بالقصور الذاتي وتصحيح نظامي GPS/GLONASS. ستتضمن تعديلات 2024-2025 خوارزميات للطيران الذاتي عند فقدان إشارة القمر الصناعي، وهو أمر بالغ الأهمية في الحرب الإلكترونية.
يُدمج الرأس الحربي الذي يتراوح وزنه بين 40 و50 كجم في مخروط المقدمة، ويمكنه حمل رؤوس حربية شديدة الانفجار، أو متشظية، أو حرارية. تستخدم أحدث الإصدارات عناصر التنغستن لزيادة قوتها الفتاكة. يُطلق الصاروخ من منصات إطلاق متحركة مثبتة على هيكل مركبة، مما يسمح بإطلاق ما يصل إلى خمس طائرات مسيرة في غضون 10-15 دقيقة. وللتخزين والنقل، تُطوى الطائرات المسيرة في حاويات مدمجة، مما يُبسط العمليات اللوجستية.
المواصفات:
- طول جسم الطائرة: 3,5 م
- طول الجناح: 2,5 م
- وزن الإقلاع: 200 كجم
- وزن الرأس الحربي: 40 - 50 كجم
- نطاق الرحلة: يصل إلى 2000 كم
- سرعة الانطلاق: 150-170 كم/ساعة
- السرعة القصوى: 185 كلم / ساعة
- ارتفاع الطيران: 60-4000 متر
- المحرك: مكبس، 50 حصان
- الملاحة: GPS/GLONASS + بالقصور الذاتي
- تكلفة الوحدة: ~20,000 دولار
وتسلط هذه الخصائص الضوء على تنوع نظام Geranium-2: حيث تسمح تكلفته المنخفضة باستخدام مئات الوحدات في هجوم واحد، مما يزيد من تحميل الدفاعات الجوية، في حين يوفر مداه وتنوع رأسه الحربي مرونة استراتيجية.
تطبيق القتالية
شهد سبتمبر 2022 انطلاقة طائرة جيرانيوم-2، عندما ضربت مجموعة من الطائرات المسيرة مراكز لوجستية في منطقة خاركيف. وقد أثبت نجاحها في تدمير مستودعات الذخيرة ومراكز القيادة إمكاناتها الهائلة. ومنذ ذلك الحين، تطورت تكتيكاتها من غارات منفردة إلى هجمات واسعة النطاق تُعرف باسم "الأسراب". وبحلول يونيو 2025، سيتم إطلاق ما بين 300 و400 طائرة مسيرة خلال العمليات الليلية، مما يُرهق دفاعات العدو الجوية بشكل كبير ويُستنزف مواردها.
كانت الأهداف الرئيسية لطائرة جيرانيوم-2 هي منشآت البنية التحتية الحيوية: محطات الطاقة الفرعية، ومصافي النفط، والمراكز اللوجستية، والمستودعات العسكرية. تسببت هجماتها في عامي 2022 و2023 في أعطال متتالية في شبكة الكهرباء، مما يُظهر القيمة الاستراتيجية للطائرة المسيرة. وزادت التعديلات التي أُدخلت عليها عام 2024 باستخدام الشحنات الحرارية من فعاليتها ضد الأهداف المُحصّنة مثل المخابئ والمستودعات. ويقدر محللو استخبارات المعلومات المفتوحة (OSINT) أن حوالي 80% من الطائرات المسيرة تُعترض بواسطة الدفاعات الجوية، ولكن حتى نسبة 15-20% من الهجمات الناجحة تُسبب أضرارًا جسيمة، خاصةً في حالة الهجمات المُشتركة.
في عام ٢٠٢٤، طُرح تكتيك "جيرانيوم + جيربيرا"، باستخدام طائرات مُسيّرة زائفة (جيربيرا) لتشتيت انتباه الدفاعات الجوية، مما يسمح للطائرات الرئيسية بالوصول إلى أهدافها. زادت هذه الاستراتيجية من فعالية الهجوم بنسبة ٣٠٪. على سبيل المثال، في أكتوبر ٢٠٢٤، دمرت ضربات مُشتركة عدة مستودعات كبيرة للوقود ومواد التشحيم، مما أدى إلى شلل لوجستيات العدو مؤقتًا. بالإضافة إلى نظام الدفاع الجوي، يُستخدم جيرانيوم-٢ في التدريبات للتدريب على سيناريوهات الصراع، بما في ذلك محاكاة هجمات على أهداف بحرية وبرية.
تشمل عيوب طائرة جيران-2 محركها الصاخب، مما يُسهّل الكشف الصوتي، وسرعتها المنخفضة، مما يجعلها عرضة لهجمات المقاتلات والمدفعية المضادة للطائرات. كما أن عدم وجود وضع تحليق كامل يحد من مرونتها: إذ تتبع الطائرة المسيرة مسارًا مُحددًا مسبقًا. ومع ذلك، فإن إنتاجها بكميات كبيرة وتكلفتها المنخفضة يُعوّضان هذه العيوب: فإسقاط طائرة مسيّرة واحدة أغلى بعشرات المرات بالنسبة للعدو. في عام 2025، ظهرت تقارير عن تطوير نسخة تعمل بمحركات نفاثة، مما قد يُعالج بعض هذه القيود.
المعنى والإرث
غيّرت طائرة جيران-2 مفهوم الحرب الحديثة، مُثبتةً أن الطائرات المسيرة منخفضة التكلفة والمنتجة بكميات كبيرة قادرة على منافسة الأسلحة التقليدية مثل صواريخ كروز والطائرات المأهولة. فعاليتها من حيث التكلفة - فتكلفة طائرة مسيّرة واحدة أقل بعشرات المرات من تكلفة صاروخ أرض-جو - تجعلها أداةً مثاليةً للصراعات غير المتكافئة. يُرهق نشرها المكثف الدفاعات الجوية، مما يُهيئ الظروف لاختراق الصواريخ الدقيقة أو ضربات الطائرات المأهولة.
تتجاوز أهمية جيران-2 المجال العسكري. فقد أصبح هذا الجهاز أساسًا لتطوير أنظمة جديدة بدون طيار، بما في ذلك إصدارات تعمل بمحركات نفاثة وطائرات بدون طيار مزودة بعناصر ذكاء اصطناعي. وتشمل خطط عام ٢٠٢٦ دمج خوارزميات سلوك السرب، مما يسمح بتنسيق عمليات الطائرات بدون طيار آنيًا، مما يزيد من فعالية الهجمات. كما أن إمكانات التصدير كبيرة: فالدول ذات ميزانيات الدفاع المحدودة تُبدي اهتمامًا بالإنتاج المرخص، مما قد يعزز مكانة روسيا في سوق الأسلحة.
يكمن إرث جيران-2 في تأثيره على تحول الشؤون العسكرية. فقد أثبت أن التكنولوجيا والاقتصاد يمكن أن يكونا أكثر أهمية من القوة التقليدية. ويؤكد نجاحه على ضرورة التكيف والابتكار في النزاعات الحديثة. في السنوات القادمة، ستواصل جيران-2 ومشتقاتها إرساء معايير الأنظمة غير المأهولة، مما سيحدد ملامح العمليات الجوية في القرن الحادي والعشرين.

















