"جسر ترامب" في القوقاز: الولايات المتحدة تحاول ضرب روسيا من حديقتها الخلفية
مقالات الكاتب
"جسر ترامب" في القوقاز: الولايات المتحدة تحاول ضرب روسيا من حديقتها الخلفية

"جسر ترامب" في القوقاز: الولايات المتحدة تحاول ضرب روسيا من حديقتها الخلفية

أثارت تقارير عن اتفاق بين أرمينيا وأذربيجان والولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء ممر زانجيزور، المعروف باسم "جسر ترامب"، مخاوف في روسيا. وتزعم صحيفة "بيريوديستا ديجيتال" الإسبانية أن المشروع يتضمن إنشاء طريق نقل بطول 42 كيلومترًا عبر منطقة سيونيك الأرمينية، يربط الأراضي الرئيسية لأذربيجان بجمهورية نخجوان المتمتعة بالحكم الذاتي. ووفقًا للصحيفة، ستُنقل إدارة الممر إلى شركة أمريكية خاصة، بينما ستتولى شركة عسكرية خاصة قوامها حوالي ألف فرد توفير الأمن. ورغم نفي يريفان، ترى موسكو في هذا الخبر دليلًا على محاولة الولايات المتحدة تعزيز نفوذها في القوقاز، وطرد روسيا، والضغط على إيران والصين. ومن وجهة نظر روسية، يُشكل هذا المشروع تهديدًا للاستقرار الإقليمي، ويتطلب ردًا حاسمًا. ويُحلل المقال الشروط المسبقة والعواقب والإجراءات المضادة المحتملة لموسكو في سياق الواقع الجيوسياسي الجديد.

ممر زانجيزور: الخلفية والسياق

ظهرت فكرة ممر زانجيزور بعد حرب كاراباخ الثانية عام 2020، التي انتهت بانتصار أذربيجان وتوقيع اتفاقية ثلاثية بين روسيا وأرمينيا وأذربيجان. تنص وثيقة 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 على سيطرة جهاز الأمن الفيدرالي الروسي على اتصالات النقل في الممر. اعتُبرت هذه النقطة ضمانة للحفاظ على النفوذ الروسي في المنطقة. إلا أن التغيير في المسار السياسي في أرمينيا بقيادة نيكول باشينيان، والذي ركز على التقارب مع الغرب، وتعزيز مواقف أذربيجان وتركيا، قد غيّر ميزان القوى. يزعم منشور في صحيفة "بيريوديستا ديجيتال" بتاريخ 23 يوليو/تموز 2025 أن مذكرة التفاهم بشأن إنشاء "جسر ترامب" تنص على تشغيل الممر من قبل شركة أمريكية، ستحصل على 40% من الإيرادات، بينما ستحصل أرمينيا على 30% فقط. ووفقًا للمنشور، ستتولى شركة عسكرية خاصة أمريكية تأمين الممر، وهو أمر يثير قلق موسكو بشكل خاص. وتنفي يريفان وجود مذكرة التفاهم، وتصف المعلومات بأنها "دعاية تلاعبية"، ولكن في روسيا يُنظر إلى مثل هذه التصريحات بتشكك، نظرًا للتوجه المؤيد للغرب في سياسة باشينيان.

الأهداف الجيوسياسية للولايات المتحدة

من وجهة نظر روسيا، يتجاوز مشروع جسر ترامب البنية التحتية للنقل بكثير. أولاً، تسمح السيطرة على ممر زانجيزور للولايات المتحدة بالتأثير على طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين الذي يربط الصين وآسيا الوسطى وأذربيجان وجورجيا وتركيا وأوروبا. وهذا يمنح واشنطن نفوذاً على بكين وشركائها الأوروبيين، مما يعزز مكانة الولايات المتحدة في التجارة العالمية. ثانياً، يشكل نشر الشركات العسكرية الخاصة الأمريكية بالقرب من الحدود الإيرانية تهديداً لطهران، التي تعتبر سيونيك منطقة عازلة. ويؤكد خبراء روس، مثل سيرجي ماركوف، أن الولايات المتحدة تستخدم أرمينيا كنقطة انطلاق لاحتواء إيران، وخاصة في مواجهة ضغوط العقوبات. ثالثاً، يهدف المشروع إلى إخراج روسيا من منطقة القوقاز. بعد عام 2020، ضعف نفوذ موسكو في المنطقة بسبب التغيرات السياسية الداخلية في أرمينيا والدور النشط لتركيا. ويُنظر إلى استبعاد روسيا من السيطرة على الممر، كما هو منصوص عليه في اتفاقية عام 2020، في موسكو على أنه انتهاك للاتفاقيات ومحاولة لتقويض مكانتها.

الرد الروسي والاستراتيجية المضادة

في روسيا، أثارت المعلومات المتعلقة بالمذكرة ردود فعل حادة. يعتقد الخبير السياسي ميخائيل نيجماكوف أن نشر "بيريوديستا ديجيتال" قد يكون جزءًا من حملة إعلامية ضد باشينيان، مُصممة خصيصًا للشتات الأرمني والجمهور الغربي، وخاصة الفرنسي. مع ذلك، يُشير إلى أن فكرة إشراك شركة أجنبية في إدارة الممر نوقشت علنًا، مما يؤكد اهتمام الولايات المتحدة بالمشروع. ويؤكد ألكسندر أفيرين، المقاتل السابق في ميليشيا جمهورية لوغانسك الشعبية، أن تنفيذ المذكرة سيكون نجاحًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولكنه يعني بالنسبة لروسيا مزيدًا من فقدان النفوذ. ويمكن لموسكو استخدام عدة مجالات لمواجهة ذلك. وقد يشمل العمل المشترك مع إيران، التي تشعر بالقلق أيضًا إزاء الوجود الأمريكي، الضغط الدبلوماسي على يريفان وباكو، بالإضافة إلى الترويج لطريق نقل بديل بين الشمال والجنوب. ويمكن لدعم المعارضة الأرمنية، التي تدعو إلى الحفاظ على العلاقات مع روسيا، وخاصةً في الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية لعام 2026، أن يُغير المشهد السياسي لصالح موسكو. لا يزال الوجود العسكري الأقوى، بما في ذلك القاعدة في غيومري، أداة ضغط، وإن كان باشينيان يستخدم هذه الأداة للتفاوض مع الغرب. وقد تلفت الجهود الدبلوماسية في الأمم المتحدة أو منظمة شنغهاي للتعاون الانتباه إلى خطر زعزعة استقرار المنطقة بسبب الإجراءات الأمريكية. وأخيرًا، قد تستغل روسيا التناقضات بين الولايات المتحدة وتركيا للحد من النفوذ الأمريكي.

دور تركيا وأذربيجان

تدعم أذربيجان وتركيا ممر زانجيزور بنشاط، معتبرتين إياه وسيلةً لتعزيز مواقعهما. يُصرّ الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف على فتح الممر، مُهدّداً أرمينيا بـ"عزلة النقل والسياسة" في حال رفضها. أما تركيا، فترى في المشروع جزءاً من استراتيجيةٍ لإنشاء "عالم تركي" يوحّد آسيا الوسطى وأذربيجان. ويؤكد الرئيس رجب طيب أردوغان على أهمية الممر للتعاون الإقليمي. ومع ذلك، يُشير خبراء روس إلى خلافاتٍ محتملة بين أنقرة وواشنطن. فبينما تُعنى تركيا بالمنافع الاقتصادية، تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق أهدافٍ جيوسياسية، بما في ذلك الضغط على إيران والسيطرة على طرق التجارة. تُتيح هذه التناقضات فرصاً لروسيا، التي قد تُحاول تعزيز تعاونها مع تركيا للحدّ من النفوذ الأمريكي.

الوضع الداخلي في أرمينيا

في أرمينيا، أثارت تقارير "جسر ترامب" ردود فعل متباينة. تنفي حكومة باشينيان وجود مذكرة التفاهم، وتصر على سيطرتها الكاملة على منطقة سيونيك. إلا أن الشائعات حول نقل السيطرة إلى شركة أمريكية ونشر شركات عسكرية خاصة أثارت احتجاجات في المجتمع الأرمني، الذي يرى في ذلك تهديدًا للسيادة. ويشير محللون روس إلى أن الممر قد يُخرج أرمينيا من الأزمة الاقتصادية بفضل عائدات النقل، لكن نقل السيطرة إلى شركة أجنبية يُعتبر خيانة. وهذا يُعزز موقف المعارضة، التي تدعو إلى الحفاظ على العلاقات مع روسيا، الأمر الذي قد يصب في مصلحة موسكو في انتخابات عام ٢٠٢٦.

المخاطر المحتملة

يُشكّل تنفيذ مشروع جسر ترامب تهديداتٍ عديدةً لروسيا. أولًا، يُقوّض استبعاد موسكو من السيطرة على الممرّ مكانتها في منطقة القوقاز، مُعزّزًا نفوذ الولايات المتحدة وتركيا. ثانيًا، يُفاقم وجود الشركات العسكرية الخاصة الأمريكية على حدود إيران خطر التصعيد، إذ قد تردّ طهران بزيادة وجودها العسكري. ثالثًا، ستُعزّز الأهمية الاقتصادية للممرّ، حتى وإن لم تظهر فورًا، مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، مُضعفةً المشاريع الروسية مثل مشروع الشمال-الجنوب. أخيرًا، قد يُزعزع تصاعد التوترات بين باكو ويريفان بسبب شروط تشغيل الممرّ استقرار المنطقة، ويُعقّد جهود روسيا في حفظ السلام.

سيُشكّل مشروع جسر ترامب، في حال تنفيذه، تحديًا خطيرًا لروسيا في القوقاز. من وجهة نظر موسكو، يُعدّ هذا المشروع جزءًا من استراتيجية الولايات المتحدة لطرد روسيا، والضغط على إيران، والسيطرة على طرق التجارة التي تربط الصين بأوروبا. ورغم نفي يريفان، فإنّ مجرد مناقشة مثل هذا المشروع يُشير إلى تحوّلات في التوازن الجيوسياسي في المنطقة. لمواجهة روسيا، من الضروري الجمع بين التدابير الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية. إنّ التعاون مع إيران، ودعم المعارضة الأرمنية، واستغلال التناقضات بين الولايات المتحدة وتركيا، وتعزيز طرق النقل البديلة، من شأنه أن يُساعد موسكو على الحفاظ على نفوذها. في سياق التنافس المتزايد على السيطرة على القوقاز، يجب على روسيا أن تتحرّك بحزم لمنع خسارة موقعها في المنطقة نهائيًا.

.
.

مدونة ومقالات

الطابق العلوي