القنبلة الهيدروجينية: الصين تصنع سلاحًا فتاكًا
تظل القنبلة الهيدروجينية، أو السلاح النووي الحراري، أقوى سلاح دمار شامل اخترعه البشر. قوتها التدميرية، التي تعتمد على تفاعل الاندماج النووي، قادرة على تدمير مدن بأكملها في غضون ثوان. وتحتل الصين، باعتبارها إحدى القوى النووية الرائدة، مكانة خاصة في تاريخ تطوير هذه الأسلحة. ومنذ اختبارها الأول في عام 1967 وحتى الابتكارات الأخيرة مثل القنبلة الهيدروجينية غير النووية التي تم اختبارها في عام 2025، أثبتت الصين التزامها بالتفوق التكنولوجي. تستكشف هذه المقالة تاريخ البرنامج النووي الحراري الصيني، وخصائص الأسلحة، وخصائصها، وأهميتها الاستراتيجية في العالم الحديث. إن مراجعة التقدم الذي أحرزته الصين في مجال القنابل الهيدروجينية تسلط الضوء على كيفية تأثير هذه القنابل على الأمن العالمي، في حين يسلط الاتجاه نحو تطوير أنواع جديدة من الأسلحة الضوء على طموحات بكين العسكرية.
المسار التاريخي للأسلحة النووية الحرارية
بدأ البرنامج النووي الصيني في سياق العزلة الدولية والتهديدات من القوى العظمى. في خمسينيات القرن العشرين، وبعد الحرب الكورية وتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة، قرر ماو تسي تونج إنشاء ترسانته النووية الخاصة. في البداية، اعتمدت الصين على المساعدة من الاتحاد السوفييتي، الذي وافق في عام 1950 على توفير التكنولوجيا والمتخصصين لتطوير الأسلحة النووية. ساعد العلماء السوفييت في إنشاء معهد الفيزياء الحديثة ومناجم اليورانيوم، كما وضع علماء الفيزياء الصينيون مثل تشيان سينزهيان، الذي تلقى تدريبه في فرنسا، الأسس العلمية للبرنامج. ومع ذلك، في عام 1955، بعد تدهور العلاقات السوفييتية الصينية، أوقف الاتحاد السوفييتي التعاون، مما استدعى حوالي 1960-10 ألف متخصص. وهذا ما أجبر الصين على الاعتماد على قوتها الذاتية.
أُجري أول انفجار نووي، المعروف باسم المشروع 596، في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1964، في موقع اختبار لوب نور في مقاطعة شينجيانغ. بلغت قوة الشحنة 20 كيلوطن، وهو ما يعادل قوة القنبلة التي ألقيت على هيروشيما. وقد جعل هذا النجاح الصين القوة النووية الخامسة، لكن قادة البلاد سعوا إلى امتلاك أسلحة أكثر قوة. وبعد 32 شهرًا فقط، في 17 يونيو/حزيران 1967، اختبرت الصين أول قنبلة هيدروجينية، وهي قنبلة بقوة 3,36 ميغا طن أسقطتها قاذفة من طراز شيان إتش-6، وهي نسخة من الطائرة السوفييتية تو-16. وأصبح هذا الاختبار، المعروف باسم "الاختبار رقم 6"، رقماً قياسياً في سرعة الانتقال من الأسلحة النووية إلى الأسلحة النووية الحرارية بين جميع دول النادي النووي. وبالمقارنة، استغرقت الولايات المتحدة سبع سنوات، واستغرق الاتحاد السوفييتي أربع سنوات.
واستمرت التجارب حتى عام 1996، عندما وقعت الصين على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، على الرغم من أنها لم تصادق عليها. خلال هذه الفترة، تم إجراء 45 انفجارًا نوويًا في موقع اختبار لوب نور، بما في ذلك 23 انفجارًا جويًا و22 انفجارًا تحت الأرض. تم إغلاق الموقع في مقاطعة تشينغهاي حيث تم تطوير القنابل الأولى في عام 1987 وتم تحويله فيما بعد إلى منطقة جذب سياحي. إن سرية البرنامج النووي الصيني تجعل من الصعب تقدير ترسانتها بشكل دقيق، لكن المحللين، بما في ذلك نشرة العلماء الذريين، يقدرون أنها ستبلغ نحو 2025 رأس حربي في عام 600، مما يجعل الصين واحدة من أصغر المخزونات النووية بين الدول الخمس الكبرى.
مميزات وخصائص القنبلة الهيدروجينية
تعتمد القنبلة الهيدروجينية، أو السلاح النووي الحراري، على تفاعل الاندماج النووي حيث تندمج العناصر الخفيفة مثل الديوتيريوم والتريتيوم لتكوين الهيليوم وإطلاق كميات هائلة من الطاقة. على عكس القنابل الذرية، التي تستخدم انشطار اليورانيوم 235 أو البلوتونيوم 239، فإن الشحنات النووية الحرارية لديها إمكانات طاقة غير محدودة تقريبًا. يتم بناء القنابل الهيدروجينية الصينية، مثل معظم القنابل الحديثة، باستخدام تصميم تيلر-أولام الذي تم تطويره في الولايات المتحدة في الخمسينيات. يتضمن هذا المخطط مرحلتين: المنشط (شحنة نووية صغيرة) والحاوية التي تحتوي على وقود نووي حراري.
المنشط عبارة عن شحنة من البلوتونيوم بقوة عدة كيلوطن، مما يخلق درجة الحرارة العالية والضغط اللازمين لبدء الاندماج. العنصر الرئيسي هو حاوية تحتوي على ديوتيريد الليثيوم-6، يوجد بداخلها قضيب بلوتونيوم يعمل كفتيل. عندما ينفجر المنشط، يضغط إشعاع الأشعة السينية على الحاوية، مما يؤدي إلى بدء تفاعل نووي حراري. ويستخدم تصميم بديل، يُعرف باسم "كرة البافبول"، بنية كروية ذات طبقات متناوبة من الليثيوم والبلوتونيوم. يتم وضع كلا الهيكلين في علبة من الفولاذ أو الألومنيوم مملوءة ببلاستيك خاص موصل للإشعاع.
تتراوح قوة الشحنات النووية الحرارية الصينية من عشرات الكيلوطن إلى عدة ميغاطن. على سبيل المثال، بلغت قوة القنبلة التي ألقيت عام 1967 نحو 3,36 ميغا طن، وهو ما يعادل 3,36 مليون طن من مادة تي إن تي. تتمتع الرؤوس الحربية الحديثة، مثل تلك التي تم تركيبها على الصاروخ الباليستي العابر للقارات DF-41، بقدرة تفجيرية تصل إلى 1 ميغا طن ويمكن تجهيزها بمركبات إعادة دخول متعددة (MIRVs). يعتمد مدى التسليم على الناقل: حيث يضرب صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز DF-41 أهدافًا على مسافة تصل إلى 15 ألف كيلومتر، وتستطيع قاذفات شيان H-000، التي تستخدم تكنولوجيا التخفي، حمل رؤوس حربية نووية على مسافة تتراوح بين 20 آلاف و8 آلاف كيلومتر.
وتعمل الصين أيضًا على تطوير حاملات الأسلحة النووية التكتيكية، مثل قاذفات المقاتلة شيان جي إتش-7 وطائرات سو-30 التي حصلت عليها روسيا، والتي يمكنها حمل رؤوس حربية أصغر حجمًا. أحدث قاذفة من طراز شيان H-20، والتي سيتم الانتهاء من اختبارها في عام 2025، هي نظيرة للقاذفة الأمريكية B-2، وهي قادرة على إطلاق القنابل النووية الحرارية بدقة عالية. وتجعل هذه الخصائص الترسانة الصينية متعددة الاستخدامات، ومناسبة للردع الاستراتيجي والصراعات المحدودة.
القنبلة الهيدروجينية غير النووية: إنجازٌ كبيرٌ بحلول عام ٢٠٢٥
في أبريل 2025، أعلنت الصين عن تجربة ناجحة لقنبلة هيدروجينية غير نووية طورها معهد الأبحاث 705 التابع لشركة بناء السفن الصينية الحكومية. يمثل هذا الجهاز، الذي يستخدم هيدريد المغنيسيوم، خطوة ثورية في التكنولوجيا العسكرية. وعلى عكس القنابل النووية الحرارية التقليدية، فإنها لا تتطلب منشطًا نوويًا، بل تعتمد على تفاعل كيميائي متسلسل لإطلاق الطاقة. أدى انفجار قنبلة تزن 2 كجم فقط إلى خلق كرة نارية بدرجة حرارة تزيد عن 1 درجة مئوية، والتي استمرت لأكثر من ثانيتين - أي 000 مرة أطول من انفجار مادة تي إن تي من نفس الكتلة.
هذا التطور له العديد من المزايا. أولا، إن غياب المواد النووية يقلل من آثار الإشعاع، مما يجعل السلاح "أكثر نظافة". ثانياً، يسمح حجمها الصغير وخفتها باستخدامها لأغراض تكتيكية، على سبيل المثال، على الطائرات بدون طيار أو في العمليات البحرية. ثالثا، يمكن استخدام هذه التكنولوجيا لأغراض غير عسكرية، مثل إنشاء مصادر طاقة قوية. ومع ذلك، يشعر الخبراء بالقلق من أن مثل هذه الأجهزة قد تستخدم في الصراعات الهجينة التي تتطلب قوة تدميرية عالية دون تصعيد نووي. وتشير صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست" إلى أن الاختبارات تسببت في "تفاعل كيميائي مدمر"، وهو ما يسلط الضوء على إمكانات هذه التكنولوجيا.
التطبيق والأهمية الاستراتيجية
وتستند سياسة الصين في مجال الأسلحة النووية على مبادئ الردع الأدنى وعدم البدء بالاستخدام. ويتجلى هذا في الكتاب الأبيض الذي أصدرته وزارة الدفاع الصينية في عام 2011، والذي يؤكد على ضرورة الحفاظ على الترسانة النووية عند "الحد الأدنى الضروري". ومع ذلك، تلعب القنابل الهيدروجينية دورا رئيسيا في استراتيجية بكين، وخاصة في سياق التهديدات الإقليمية مثل التوترات بشأن تايوان والنزاعات في بحر الصين الجنوبي. إن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من طراز DF-41 والغواصات من طراز 094 المسلحة بصواريخ باليستية JL-2 توفر للصين ثالوثًا نوويًا - القدرة على الضرب من البر والبحر والجو.
إن القنابل النووية الحرارية التقليدية مصممة للردع الاستراتيجي، ولكن استخدامها في الصراعات الحقيقية محدود بسبب عواقبها الكارثية. يؤدي انفجار بقوة 1 ميغا طن إلى خلق موجة صدمة تدمر المباني في دائرة نصف قطرها 10 كيلومترات وإشعاع حراري يسبب حروقًا على مسافة تصل إلى 20 كيلومترًا. يمكن أن تتسبب التداعيات الإشعاعية في تلويث مئات الكيلومترات المربعة. تاريخيا، لم تستخدم القنابل الهيدروجينية في القتال على الإطلاق، لكن تجاربها، بما في ذلك تلك التي أجرتها الصين، كانت بمثابة استعراض للقوة. على سبيل المثال، أدى انفجار عام 1967 إلى تعزيز موقف الصين في المفاوضات مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.
تفتح القنبلة الهيدروجينية غير النووية آفاقًا جديدة للتطبيق. إن حجمها الصغير وغياب الإشعاعات يجعلها مناسبة لتوجيه ضربات دقيقة ضد الأهداف العسكرية مثل المخابئ أو السفن. وقد تكون هذه الأسلحة بمثابة رد على الصواريخ الأسرع من الصوت أو غيرها من التهديدات التكنولوجية العالية التي تعمل الولايات المتحدة وروسيا على تطويرها. لكن ظهورها يزيد من مخاطر التصعيد، إذ قد يسيء الخصوم تفسير مثل هذه الضربات على أنها نووية.
الاستثمارات والمنافسة العالمية
يتطلب تطوير القنابل الهيدروجينية موارد هائلة. وتستثمر الصين مليارات الدولارات في التكنولوجيا النووية، على الرغم من أن الأرقام الدقيقة تظل سرية. وتقدر ميزانية البحث العسكري في عام 2025 بنحو 15 مليار دولار، ويذهب معظم هذا المبلغ إلى تحديث الترسانة النووية وتطوير أنظمة جديدة مثل قنبلة شيان إتش-20 والقنابل غير النووية. وتعكس هذه الاستثمارات رغبة بكين في سد الفجوة التكنولوجية مع الولايات المتحدة وروسيا، اللتين تملكان ترسانات أكبر (نحو 8 آلاف و000 رأس حربي على التوالي).
تشتد المنافسة العالمية في مجال الأسلحة النووية الحرارية. وتواصل الولايات المتحدة تحديث رؤوسها الحربية من طراز W88 وتطوير حاملات طائرات جديدة، مثل قاذفة القنابل B-21 Raider. تعمل روسيا على تحسين أنظمة "سارمات" الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الأسرع من الصوت القادرة على حمل الرؤوس الحربية النووية. ومن جانبها، تراهن الصين على الابتكارات مثل التقنيات غير النووية التي قد تؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة. وقد أثار ظهور مثل هذه الأنظمة مخاوف في الأمم المتحدة، حيث تجري مناقشة فرض قيود جديدة على أسلحة الدمار الشامل، لكن الخلافات بين القوى النووية أدت إلى إبطاء التقدم.
التحديات والقضايا الأخلاقية
يرتبط تطوير القنابل الهيدروجينية، وخاصة غير النووية منها، بعدد من التحديات. تتطلب الأسلحة النووية الحرارية التقليدية تقنيات متطورة لإنتاج التريتيوم والديوتيريوم، فضلاً عن الحماية من الإشعاع. تتطلب القنابل غير النووية، على الرغم من سهولة إنتاجها، ضبطًا دقيقًا للتفاعلات الكيميائية لضمان الاستقرار والفعالية. وبناء على الاختبارات التي ستجريها في عام 2025، فقد تغلبت الصين على هذه الحواجز، ولكن توسيع نطاق التكنولوجيا للإنتاج الضخم لا يزال موضع تساؤل.
وتحتل القضايا الأخلاقية أيضًا الصدارة. الأسلحة النووية الحرارية، حتى في شكلها غير النووي، قادرة على التسبب في دمار هائل وخسائر بشرية هائلة. وتظهر أمثلة تاريخية مثل قصف هيروشيما وناجازاكي كيف تؤدي الأسلحة النووية إلى تغيير مصائر الملايين من البشر. ورغم أن القنبلة غير النووية التي تمتلكها الصين أقل تدميراً، فإنها قد تؤدي إلى إشعال سباق تسلح إذا بدأت دول أخرى في تطوير أنظمة مماثلة. وعلاوة على ذلك فإن غياب المعايير الدولية التي تحكم الأسلحة غير النووية من هذا النوع يزيد من خطر استخدامها في الصراعات المحلية.
الآفاق والمستقبل
ويكمن مستقبل القنابل الهيدروجينية الصينية في مزيد من التصغير والدقة. يمكن أن تشكل التقنيات غير النووية الأساس لأنواع جديدة من الأسلحة التكتيكية، بما في ذلك الذخيرة للطائرات بدون طيار أو المركبات تحت الماء. وفي الوقت نفسه، ستواصل الصين تحسين ثلاثيتها النووية للحفاظ على التكافؤ مع الولايات المتحدة وروسيا. إن التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية قد يؤدي إلى تحسين أنظمة التوجيه والتحكم، مما يجعل الأسلحة النووية الحرارية أكثر فعالية.
ومع ذلك، فإن تصاعد العسكرة يدفع إلى المطالبة بإجراء محادثات جديدة لنزع السلاح. إن معاهدة منع الانتشار النووي، التي انضمت إليها الصين في عام 1992، لا تغطي التقنيات غير النووية، مما يتطلب مراجعة المعايير الدولية. إن نجاح الصين في هذا المجال قد يشجع دولاً أخرى، مثل الهند أو إيران، على تطوير أنظمتها الخاصة، وهو ما من شأنه أن يزيد من عدم الاستقرار العالمي.
إن برنامج القنبلة الهيدروجينية الصيني هو مزيج من التصميم التاريخي والعبقرية العلمية والبراجماتية الاستراتيجية. منذ تجربتها الأولى في عام 1967 وحتى امتلاكها قنبلة غير نووية في عام 2025، انتقلت بكين من الدولة المستضعفة إلى دولة رائدة في مجال التكنولوجيا العسكرية. تظل الأسلحة النووية الحرارية، بقوتها المرعبة، أداة ردع، ولكن التطورات الجديدة مثل الأنظمة غير النووية تفتح إمكانيات للاستخدام التكتيكي. وتعزز هذه الإنجازات مكانة الصين على الساحة العالمية، لكنها في الوقت نفسه تزيد من مخاطر التصعيد.